من أبرز اجتماعات الجمعية العامة في دورتها الـ٧٤ التي لفتت المراقبين في موضوعها، كان الإجتماع الخاص الذي دعت اليه إمارة ليشتنشتاين كافة الدول لإصدار التقرير النهائي للجنة القطاع المالي المعنية بالرقّ الحديث والإتجار بالبشر رسمياً في الأمم المتحدة. وليشتنشتاين التي عُرفت في المجتمع الدولي بمبادراتها الداعمة للإنسانية، أعلنت عن تأسيس هذه اللجنة في بداية هذا العام، وانضمت اليها حكومتا استراليا وهولندا ومركز جامعة الأمم المتحدة للبحوث السياسية. وتأتي هذه المبادرة تطبيقاً لعناوين واهداف برامج الأمم المتحدة، وهي ترتبط الى حدّ كبير ببرامجها الإنمائية، لأن مواجهة المتاجرة بالرقّ والعبودية الحديثة يتطلب إيجاد فرص كبيرة للعمل للشباب، الأمر الذي باستطاعته ان يشلّ حركة السيطرة على ضحايا الإتجار بالرقّ.
وتستهدف عملية المتاجرة بالرقّ والعبودية الحديثة شخصاً واحداً من كل ١٨٥. لذلك يتشارك مركز الأبحاث السياسية في جامعة الأمم المتحدة مع حكومة ليشتنشتاين، وكل من استراليا وهولندا في مكافحة هذه الجرائم، من خلال إطلاق هذه اللجنة التي تركّز على القطاع المالي في محاولة لإستئصال ما يسمّى بالعبودية الحديثة والإتجار بالبشر. ولكون برنامج هذه المبادرة يرتكز على المصارف، والتي ترتبط بقطاعات الأعمال الأخرى عبر أسواق رأس المال العالمية، التي من شأنها أن تلعب دوراً أساسياً في تمكين الناس والحدّ من استغلالهم.
وأصدرت اللجنة الماليّة لمكافحة العبوديّة والإتّجار بالبشر تقريرها النهائي في٢٧ أيلول الماضي، الهادف الى التشجيع على التمويل ضد مرتكبي الجرائم، ونشر الوعي والإنتباه خاصة عند المصرفيين الذين يمارسون مهامهم، فإنّ عليهم التنبّه والتدقيق في كل عملية تحويل مالي والتأكد من مصدره وهدفه.
وشكلت مبادرة ليشتنشتاين مفوضيّة التمويل ضدّ الرقّ والإتجار بالبشر مع 25 مفوض من كبار قادة القطاع المالي. عقدت اللجنة اجتماعاتها في ليختنشتاين وسيدني ونيويورك وأمستردام خلال العام الماضي لوضع اللمسات الأخيرة على تقريرها. وهي ستتعاون مع المصارف العالميّة الرائدة (بنك اوف اميركا، وباركليز، سيتي بنك، وويلز فارغو وغيرهم...) كما وتهدف الى توفير نهج مشترك للتوسّع الآمن للخدمات الماليّة الأساسية في كل البلدان.
من ليشتنشتاين، تحدّث مُطلق المبادرة في الجلسة رئيس وزراء البلاد أدريان هِسلِر عبر الأقمار الصناعية، عن الدور الإيجابي الذي يمكن أن يلعبه القطاع المالي في مواجهة الرقّ والإتجار بالشر، واضعاً امكانيّات بلاده في خدمة هذه المبادرة.
رئيسة لجنة القطاع المالي الخاصة بمكافحة الرقّ الحديث والإتجار بالبشر فيونا رينولدز وجدت ان القطاع المالي له تأثير كبير من شأنه تحريك الإقتصاد العالمي بكامله، وهو القادر على تغيير الواقع الأليم الذي يثبت ان ٤٠ مليون شخص على الأقل وقعوا ضحايا لكافة أنواع جرائم الرقّ في العالم، وعلى القيّمين على هذه المبادرة متابعة ما أطلقوا اليوم لتقليل عدد هؤلاء الضحايا الى ١٠ آلاف فرد يومياً، كمساهمة في تحقيق أهداف الأمم المتّحدة للتنمية المستدامة،
وشرحت رينولدز التي تابعت منذ بداية إطلاق المبادرة في ليشتنشتاين، كيف تمّ التركيز على إيجاد حلول لمساعدة القطاع المالي على تسريع وتيرة العمل لتنفيذها، وتحدّثت عن نتائج المشاورات في ثلاث قارات، أفضت الى تسريع مشاركة القطاع المالي للحدّ من الإتّجار بالبشر.
وزير خارجية هولندا والمشارك في تأسيس اللجنة ستيف بلوك نبّه من خطورة عملية الإتجار بالرقّ، التي تعتبر من الجرائم الكبرى عالميّا، والتي تنتج سنوياً ١٥٠ مليار دولار يدفع ثمنها مستقبل الشباب وأحلامهم، وعلى القطاع المصرفي ان يعي هذه الخطورة ويدعم ضحايا الممارسات التجاريّة الإجراميّة، واعداً المجتمع الدولي بأنّ مملكة هولندا ستواصل العمل عن كثب مع القطاع المالي في شأن مكافحة الرقّ في اوروبا والعالم.
بدوره، شكر كبير المفوّضين في هذه اللجنة، مندوب ليشتنشتاين لدى الأمم المتحدة كريستيان ويناويزر جميع المفوّضين والشركاء لدعمهم وعملهم الدؤوب طوال عام كامل من أجل إنجاز هيئة دولية في مواجهة جرائم العصر الا وهي الإتجار بالرقّ والعبودية الحديثة، والّتي هي في الأساس عملية استغلال اقتصادي للناس، بحيث يصبحون سلعة مربحة، وبالتالي فإنّ دور المؤسّسات الماليّة هو المفتاح لمواجهة هذه الجريمة.